كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال: «والدرجات بذل الطعام، وإفشاء السلام، والصلاة بالليل والناس نيام».
ثم قال ابن كثير: وقوله تعالى: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى}، كقوله: {لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى} [طه: 23]، أي: الدالة على قدرتنا وعظمتنا، وبهاتين الآيتين استدل من ذهب من أهل السنة، أن الرؤية تلك الليلة لم تقع؛ لأنه قال: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} ولو كان رأى لأخبر بذلك، ولقال ذلك للناس. انتهى.
الثالث: ذهب بعضهم إلى أن هذه السورة أنزلت لإثبات المعراج النبويّ، أعني: عروجه صلى الله عليه وسلم، وصعوده وارتقاءه إلى ما فوق السماوات السبع، كما ذكر في أحاديث المعراج عند سدرة المنتهى فوق السماوات، ومشاهدة جبريل على صورته.
قال القليوبيّ: لما كان الإسراء مقدمًا في الوجود على المعراج، لأنه كالوسيلة والبرهان، إذ يلزم من التصديق بخوارق العادة فيه، التصديق بالمعراج وما فيه. وكان ما في المعراج من الخوارق أعظم وأكثر، صدره الله تعالى بالقسم الدال على تأكيد ثبوته، والرد على منكريه والطاعنين فيه، واستطرد مع ذلك الرد على من نسب إليه صلى الله عليه وسلم ما لا يجوز عليه، فقال: {وَالنَّجْمِ} إلخ انتهى.
ومما قدمنا يظهر أن نزول السورة لتأييد الرسالة النبوية، وتحقيق الوحي، بأنه تعليم ملك كريم، مرئي للحضرة النبوية رؤية تدفع كل لبس، لا لإثبات المعراج.
ثم من الغرائب أيضًا هنا، قول بعضهم محاولًا سرّ إفراد الإسراء عن المعراج، وذكر كلٍّ في سورة، ما مثاله: إن الإسراء أنزل أولًا وحده، حملًا للمشركين على تسليم ما وضح صدقه صلى الله عليه وسلم فيه، توصلًا للتصديق بما وراءه فإنه صلى الله عليه وسلم أرشد أن يخبر المشركين أولًا بالإسراء إلى المسجد الأقصى، لأن قريشًا تعرفه، فيسألونه عنه فيخبرهم بما يعرفون، مع علمهم بأنه صلى الله عليه وسلم لم يدخل بيت المقدس قط، فتقوم الحجة عليهم.
وكذلك وقع، كما ذكر في الروايات. وعلى أثر هذا الإخبار أنزل بيان الإسراء، ثم أُلهم صلى الله عليه وسلم أن يخبرهم بالمعراج إلى ملكوت السماوات، ورؤية جبريل عليه السلام، وأنزل الله تصديقه في سورة النجم. انتهى. فكل هذا مما لا سند له، نعم! روى البيهقيّ وابن أبي حاتم وابن جرير في حديث مطول، أنه صلى الله عليه وسلم أصبح بمكة يخبرهم بالأعاجيب: «إني أتيت البارحة بيت المقدس، وعرج بي إلى السماء ورأيت كذا وكذا» إلا أن يقال: ليس هذا من مرويات الصحيحين، ولا حجة في الأخبار إلا مرويّهما. وبالجملة، فالمعوّل عليه هو أن المعراج لم يرد له ذكر في القرآن مطلقًا، وما ورد في هذه السورة وسورة التكوير، فلا علاقة له بالمعراج، وإنما هي رؤية النبي صلوات الله عليه لجبريل من الأرض على صورته الحقيقية كما تقدم. وأما المعراج فإنما كان رؤيا منامية روحانية؛ لصريح حديث البخاريّ في ذلك من طرقه التي عن أنس ومالك بن أبي صعصعة. قال بعضهم ولذلك لم يذكر في حديث المعراج، بحسب رواية البخاريّ التي هي من أصح الروايات بالإجماع، أن النبي صلى الله عليه وسلم سار أولًا إلى بيت المقدس، بل المذكور فيه أنه سار مباشرة من مكة إلى السماء الأولى، وكذلك لم يذكر فيه أن جبريل فارقه، ثم ظهر له عند سدرة المنتهى بصورته الحقيقية، بل المذكور أنه كان مصاحبًا له من أول المعراج إلى آخره على صورة واحدة، وذلك يدل على أن ما ذكر في القرآن مما وقع يقظة، هو غير ما ذكر في الحديث، مما وقع منامًا في وقت آخر، وإلا لذكرا معًا في سياق واحد، إما في القرآن، وإما في أصح الأحاديث، وهو الأمر الذي لم يحصل إلا في بعض روايات لا يعوّل عليها، وهي من خلط بعض الرواة الحوادث بعضها ببعض. انتهى والله أعلم.
ثم قال تعالى منكرًا على المشركين عبادتهم الأوثان، واتخاذهم لها البيوت، مضاهاة للكعبة التي بناها خليل الرحمن لعبادته تعالى وحده، بقوله: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} [19- 20].
{أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ} قال ابن كثير: هي صخرة بيضاء منقوشة، وعليها بيت بالطائف له أستار وسَدَنة، وحوله فناء معظّم عند أهل الطائف، هم ثقيف ومن تابعها، يفتخرون بها على من عداهم من أحياء العرب بعد قريش. قال ابن جرير: وكانوا قد اشتقوا اسمها من اسم الله، فقالوا: {اللَّاتَ} يعنون مؤنثة من لفظه، تعالى الله عن قولهم علوًا كبيرًا، كما قالوا: عمرو وعمرة.
وقال الزمخشري: هي فعلة من لوى؛ لأنهم كانوا يلوون عليها، ويعكفون للعبادة، أو يلتوون عليها، أي: يطوفون.
وحكي عن ابن عباس ومجاهد والربيع بن أنس أنهم قرؤوا: اللاتّ بتشديد التاء، وفسروه بأنه كان رجلًا يلتّ للحجيج في الجاهلية السَّويق، فلما مات عكفوا على قبره وعبدوه.
{وَالْعُزَّى} وهي شجرة عليها بناء وأستار بنخلة، وهي بين مكة والطائف.
قال ابن جرير: اشتقوا اسمها من اسمه تعالى العزيز، وقال الزمخشريّ: أصلها تأنيث الأعز.
{وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} وهي صخرة كانت بالمشلل عند قديد، بين مكة والمدينة وكانت خزاعة والأوس والخزرج في جاهليتها يعظّمونها، ويهلون منها للحج إلى الكعبة.
روى البخاريّ عن عائشة نحوه.
قال ابن جرير: وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب من أهل البصرة يقول: اللات والعُزّى ومناة الثالثة، أصنام من حجارة كانت في جوف الكعبة يعبدونها. انتهى.
تنبيهات:
الأول: قال القاضي: مناة فعلة، من مناه إذا قطعه؛ فإنهم كانوا يذبحون عندها القرابين. ومنه سميت منى؛ لأنه يمنى فيها القرابين، أي: ينحر.
وقال الزمخشريّ: وكأنها سميت مناة؛ لأن دماء المناسك كانت تمنى عندها، أي: تراق. وقرئ: {مناءة} مفعلة من النوء، كأنهم كانوا يستمطرون عندها الأنواء تبركًا بها.
فإن قيل: كونها ثالثة وأخرى مغايرة لما تقدمها، معلوم غير محتاج للبيان.
وأجيب: بأنهما صفتان للتأكيد، أو {الثَّالِثَةَ} للتأكيد، و{الأُخْرَى} بيان لها، لأنها مؤخرة رتبة عندهم، عن اللات والعزى.
قال الناصر: {الأُخْرَى} ما يثبت آخرًا، ولا شك أنه في الأصل مشتق من التأخير الوجوديّ، إلا أن العرب عدلت به عن الاستعمال في التأخير الوجوديّ إلى الاستعمال، حيث يتقدم ذكر معاير لا غير حتى سلبته دلالته على المعنى الأصليّ، بخلاف آخر وآخرة على وزن فاعل وفاعلة، فإن إشعارها بالتأخير الوجوديّ ثابت لم يغير، ومن ثم عدلوا عن أن يقولوا: ربيع الآخَر، على وزن الأفعل، وجمادى الأخرى، إلى ربيع الآخر على وزن فاعل، وجمادى الآخرة على وزن فاعلة؛ لأنهم أرادوا أن يفهموا التأخير الوجوديّ، لأن الأفعل والفعلى من هذا الاشتقاق مسلوب للدلالة على غرضهم، فعدلوا عنها إلى الآخر والآخرة والتزموا ذلك فيهما. وهذا البحث مما كان الشيخ أبو عمرو بن الحاجب رحمه الله تعالى قد حرره آخر مدتهُ، وهو الحق إن شاء الله تعالى، وحينئذ يكون المراد الإشعار بتقدم مغاير في الذكر مع ما نعتقده في الوفاء بفاصلة رأس الآية. انتهى.
الثاني: قال ابن كثير: كانت بجزيرة العرب وغيرها طواغيت أخر تعظمها العرب كتعظيم الكعبة، غير هذه الثلاثة التي نص عليها في كتابه العزيز، وإنما أفرد هذه بالذكر لأنها أشهر من غيرها.
قال ابن إسحاق في (السيرة): وقد كانت العرب اتخذت مع الكعبة طواغيت، وهي بيوت تعظمها كتعظيم الكعبة، لها سدنة وحجاب ويهدى لها كما يهدى للكعبة، وتطوف بها كطوافها بها، وتنحر عندها، وهي تعرف فضل الكعبة عليها، أنها كانت قد عرفت أنها بيت إبراهيم عليه السلام ومسجده. فكانت لقريش ولبني كنانة العُزّى بنوسلم خالدسدنتها وحجابها بني شيبان من سليم حلفاء بني هاشم. وبعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فهدمها وجعل يقول:
يا عُزَّ كفرانَكِ لا سُبْحانَكِ ** إِني رأيتُ اللهَ قد أَهَانكِ

روى النسائي عن أبي الطفيل قال: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة بعث خالد بن الوليد إلى نخلة، وكانت بها العزى، فأتاها خالد، وكانت على ثلاث سمرات، فقطع السمرات، وهدم البيت الذي كان عليها، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: «ارجع، فإنك لم تصنع شيئًا». فرجع خالد فلما أبصر السدنة وهم حجبتها، أمعنوا في الحيل وهم يقولون: يا عزى! يا عزى! فأتاها خالد، فإذا امرأة عريانة ناشرة شعرها تحفن التراب على رأسها، فغمسها بالسيف حتى قتلها ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: «تلك العزى»! قال ابن إسحاق: وكانت اللات لثقيف بالطائف، وكان سدنتها وحجابها بني معتب، وقد بعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم المغيرة بن شعبة وأبا سفيان صخر بن حرب فهدماها، وجعلا مكانها مسجدًا بالطائف.
قال ابن إسحاق: وكان مناة للأوس والخزرج ومن دان بدينهم من أهل يثرب على ساحل البحر، من ناحية المشلل بقديد، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها أبا سفيان، صخر بن حرب فهدمها. ويقال: عليّ بن أبي طالب. انتهى.
الثالث: قال ابن جرير: اختلف أهل العربية في وجه الوقف على {اللَّاتَ} و{مَنَاةَ} فكان بعض نحويّ البصرة يقول: إذا سكت قلت: اللات، وكذلك: مناة، تقول: منات. وقال: قال بعضهم: اللاتّ''فجعله من اللتّ الذي يلت. ولغة العرب يسكتون على ما فيه الهاء بالتاء، يقولون: رأيت طلحة. وكل شيء مكتوب بالهاء فإنها تقف عليه بالتاء، نحو نعمة ربك، وشجرة. وكان بعض نحوييّ الكوفة يقف على اللات بالهاء، وكان غيره منهم يقول: الاختيار في كل ما لم يضف، أن يكون بالهاء {رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي} [الكهف: 98]، {وَشَجَرَةً تَخْرُجُ} [المؤمنون: 20]، وما كان مضافًا فجائز بالهاء والتاء، فالتاء للإضافة، والهاء لأنه يفرد ويوقف عليه دون الثاني. وهذا القول الثالث أفشى اللغات وأكثرها في العرب، وإن كان للأخرى وجه معروف. انتهى.
{أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى} [21- 22].
{أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى} قال الزمخشريّ: كانوا يقولون: إن الملائكة وهذه الأصنام بنات الله، وكانوا يعبدونهم ويزعمون أنهم شفعاؤهم عند الله تعالى، مع وأدهم البنات، فقيل لهم: {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى} ويجوز أن يراد أن اللات والعزى ومنات إناث، وقد جعلتموهن لله شركاء، ومن شأنكم أن تحتقروا الإناث، وتستنكفوا من أن يولدن لكم، وينسبن إليكم، فكيف تجعلون هؤلاء الإناث أندادًا لله، وتسمونهن آلهة؟ انتهى.
لطيفة:
قال الشهاب: قد مرّ مرارًا الكلام في أرأيت وأنها بمعنى أخبرني، وفي كيفية دلالتها على ذلك، واختلاف النحاة في فعل الرؤية فيه، هل هو بصري؟ فتكون الجملة الاستفهامية بعدها مستأنفة لبيان المستخبر عنه. وهو الذي اختاره الرضيّ. أو علمية، فتكون في محل المفعول الثاني، فالرابط حينئذ أنها في تأويل: أهي بنات الله؟
قال السمين: وكأن أصل التركيب: ألكم الذكر، وله هن، أي: تلك الأصنام. وإنما أوثر هذا الاسم الظاهر لوقوعه رأس فاصلة.
وقوله تعالى: {تِلْكَ} إشارة إلى القسمة المفهومة من الجملة الاستفهامية {إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى} أي: جائرة، غير مستوية، ناقصة غير تامة، لأنكم جعلتم لربكم من الولد والند ما تكرهون لأنفسكم، وآثرتم أنفسكم بما ترضونه.
قال ابن جرير: والعرب تقول: ضزْتُهُ حقّه بكسر الضاد، وضُزته بضمها، فأنا أضيزهُ وأضوزهُ، وذلك إذا نقصته حقَهُ ومنعتهُ.
تنبيه:
قال السمين: قرأ ابن كثير: {ضئزى} بهمزة ساكنة، والباقون بياء مكانها. وقرأ زيد بن علي: {ضَيزى} بفتح الضاد والياء ساكنة. فأما قراءة العامة فتحتمل أن تكون من ضازهُ يضيزه إذا ضامه وجار عليه، فمعنى ضيزى جائرة. وعلى هذا فتحتمل وجهين:
أحدهما: أن تكون صفة على فُعلى بضم الفاء، وإنما كسرت الفاء لتصح الياء كبيض.
فإن قيل: وأي ضرورة إلى أن يقدر أصلها ضم الفاء، ولم لا قيل فِعلى بالكسر؟
فالجواب: أن سيبويه حكى أنه لم يرد في الصفات فِعلى بكسر الفاء، وإنما ورد بضمها، نحو حبلى وأنثى ورُبّى وما أشبهه، إلا أن غيره حكى في الصفات ذلك. حكى ثعلب: مشية حيكى، ورجل كيسى. وحكى غيره: امرأة عزهى وامرأة سعلى. وهذا لا ينقض على سيبويه؛ لأنه يقول في حيكى وكيسى كقوله في ضيزى لتصح الياء، وأما عزهى وسعلى فالمشهور فيهما عزهاة سعلاة.
والوجه الثاني: أن تكون مصدرًا كذكرى. قال الكسائيّ: يقال ضاز يضيز ضيزى، كذكر يذكر ذكرى. ويحتمل أن تكون من ضأزه بالهمز كقراءة ابن كثير، إلا أنه خفف همزها، وإن لم يكن من أصول القراء كلهم إبدال مثل هذه الهمزة ياءً، لكنها لغة التزمت، فقرؤوا بها. ومعنى ضأزه يضأزه بالهمزة، نقصه ظلمًا وجورًا، وهو قريب من الأول. و{ضيزى} في قراءة ابن كثير مصدر وصف به، ولا يكون وصفًا أصليًا؛ لما تقدم عن سيبويه.
فإن قيل: لم لا قيل في ضئزى بالكسر والهمز، أن أصله ضيزى بالضم فكسرت الفاء، لما قيل فيها مع الياء؟
فالجواب: أنه لا موجب هنا للتغيير، إذ الضم مع الهمز لا يستثقل استثقاله مع الياء الساكنة وسمع منهم: ضؤزى بضم الضاد مع الواو والهمزة.
وأما قراءة زيد فيحتمل أن تكون مصدرًا وصف به، كدعوى، وأن تكون صفة ككسرى وعطشى. انتهى.
{إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى} [23].
{إِنْ هِيَ} أي: الأصنام المذكورة باعتبار الألوهية التي يدعونها لهم {إِلاَّ أَسْمَاء} أي: محضة ليس تحتها مما تنبئ هي عنه من معنى الألوهية، شيء ما أصلًا. أي: ليس لها نصيب منها إلا إطلاق تلك الأسماء عليها.
قال الشهاب: والمراد لا نصيب لها أصلًا، ولا وجه لتسميتها بذلك، ولو كانت الألوهية متحققة بمجرد التسمية كانت آلهة، فهو من نفي الشيء بإثباته، أو هو ادعاء محض لا طائل تحته.
{سَمَّيْتُمُوهَا} أي: جعلتموها أسماء مع خلوها عن المسميات {أَنتُمْ وَآبَآؤكُم} أي: بمقتضى أهوائكم، وتقليد التابع للمتبوع {مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ} أي: برهان يتعلق به {إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ} أي: إلا توهم أن ما هم عليه حق {وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ} أي: تشتهيه أنفسهم.
قال ابن جرير: لأنهم لم يأخذوا ذلك عن وحي جاءهم من الله، ولا عن رسول الله أخبرهم به، وإنما هو اختلاق من قبل أنفسهم، أو أخذوه عن آبائهم الذين كانوا من الكفر بالله على مثل ما هم عليه منه {وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى} أي: الدليل الواضح، والبيان بالوحي، أن عبادتها لا تنبغي وأنه لا تصلح العبادة إلا له تعالى وحده.
قال أبو السعود: والجملة حال من فاعل {يُتْبِعُونَ} أو اعتراض. وأيًّا ما كان، ففيه تأكيد لبطلان إتباع الظن، وهوى النفس، وزيادة تقبيح لحالهم، فإن اتباعهما من أي: شخص كان، قبيح، وممن هداه الله تعالى بإرسال الرسول صلى الله عليه وسلم وإنزال الكتب، أقبح.